فجرت مقابلة رئيس الجمهورية المتلفزة موجة غضب وإحتجاجات وقطع طرقات، سقط في خلالها ضحية برصاصة في رأسه إثر إشكال بين شخصية أمنية-عسكرية و”ناشط حزبي”في الثورة في منطقة خلدة المحورية، التي تربط بيروت وضاحيتها الجنوبية من جهة، والجنوب من جهة ثانية. تصاعد التوتر يأتي في إطار حسم هوية رئيس الحكومة العتيدة وشكلها.

ما يجب التوقف عنده ومتابعته:
@ إختيار رئيس الجمهورية الحوار المباشر تلفزيونيًا بدل تعيين موعد للاستشارات النيابية الملزمة، يُظهر سعيه مع الثنائي الشيعي، للتمسك بالحريري في رئاسة الحكومة، ضمن حكومة تكنو-سياسية، تضم حزب الله، وتركزت قراءة الرئيس عون ومواقفه من الثورة، على محاولة ربط المسار والمصير مع حزب الله، لا بل دفع حزب الله الى ممارسة التغطية الكاملة للعهد، من خلال استدراج ردة فعل غاضبة، تتسلل اليها القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي وتيار المستقبل، ما يعيد الإصطفافات الحزبية والمذهبية الى ما قبل 17 تشرين الأول، ورفع سقف المطالب إلى إسقاط الرئيس في الشارع والتظاهر وقطع طرقات في مفاصل يعتبرها الحزب خطوط حمراء، ما يضع حزب الله أمام خيار وحيد، “ضبضة الشارع” من خلال التهديد بشارع مقابل شارع في مرحلة أولى، وقد تسرّع الإشكالات المحتملة، وارتفاع لهجة خطاب المتظاهرين، من ضغط الحزب على الجيش، ودفعه لزيادة ضغطه على المتظاهرين لفتح الطرقات.
@ يسعى الرئيس الحريري للبقاء في السلطة على رأس فريق عمل تكنوقراطي، متخصص، يزيل الوجوه السياسية النافرة، التي عطلت برأيه، فاعلية حكومتيه السابقتين، ويحمي حكومته من عقوبات أميركية مرتقبة ضد حزب الله وحلفائه، وهنا نقطة خلافية مع الثنائي الشيعي والعهد، قد لا تُذَلّل بسهولة، يليها عقدة قبول الشارع بعودته الى رئاسة الحكومة، حكومة مُقَدَّر لها أن تحاول إدارة أعنف أزمة مالية-نقدية-إقتصادية يشهدها لبنان في تاريخه المعاصر .
@ تقف الثورة عند حدود القدرة على التعطيل ولم تلامس بعد، ولأسباب متعددة، القدرة على التغيير، ويتسلل اليها أجندات حزبية، ترى في الشارع السلاح الوحيد المتاح، للضغط في تشكيل الحكومة من جهة، ولاستعادة توازنات خربطها زلزال 17 تشرين الأول، وهنا نجحت قوى الإئتلاف الحاكم منذ استقالة الرئيس الحريري، في وضع الدوائر المعنية بالثورة في خانة رد الفعل، وليس المبادرة والفعل في غالب الأحيان، نظراً لمجموعة عوامل منها “تاريخية الزعامات”، وحديدية تنظيماتها، وترابطها الوثيق بشبكات مصرفية، إعلامية، نقابية، وفي مفاصل الإدارة، و قادة المؤسسات الدينية. فكفكة هذا الترابط يحتاج الى المزيد من الوقت والجهد والى الحفاظ على سلمية الثورة وشعاراتها الجامعة الداعية لمكافحة الفساد، كلن يعني كلن.
@ هل نجح الرئيس عون في حشر حزب الله وتضييق خياراته؟ الإجابة على هذا السؤال محورية لمحاولة ترقب خطوات الحزب الآتية، خصوصاً وأن كلمة نصرالله الأخيرة، اتسمت بالإيجابية لناحية سعي الثورة لمكافحة الفساد، ولكنه ترك ذلك ضمن الوضعية السياسية والقضائية الحالية، وهنا ما هي خطوط الحزب الحمراء؟ وما هي أدواته لمنع خرقها؟ وكيف سيتصرف اذا تصاعدت المطالبة بإستقالة رئيس الجمهورية؟ وهل يخرج من رحم هذا الإحتقان غير المسبوق تسوية حكومية؟ وما هو الحد الزمني الذي يضعه الحزب لغضب الناس من كلمة الرئيس؟ وكيف سيرد اذا تم اتباعه كوسيلة ضغط حتى استيلاد الحكومة؟ وهنا لابد من التوقف عند تطور خطاب الحزب من الاحتجاجات الذي قد يعود الى تقديرات تظهر عمق هذه الثورة وشموليتها والناتجة عن عوامل اقتصادية واجتماعية غير ممكن تجاهلها، لا بل قد يكون من الصعب تخفيف سرعة تفاقمها، الا بإعادة دوران مؤسسات الدولة، ومحاولة إدارة الأزمات المتداخلة.
@ لا يمكن تجاهل المواجهة الحالية بين غزّة وإسرائيل، والتي اندلعت بعد اعتداء اسرائيلي مزدوج على قادة الجهاد الإسلامي حليف ايران، خصوصاً وإن دمشق كانت هدفاً للاعتداء في بداية المواجهة، فكيف قد تتطور ؟ وهل هناك إمكانية لتوسعها؟ بمعنى آخر هل تعيد مواجهة “محدودة مع اسرائيل” خلط الأوراق داخليا ً وتكون أولى تداعياتها وقف الثورة ؟ احتمال يبقى غير مُرجح ولكنه موجود.
خاتمة:
الأزمات في لبنان متداخلة ومتحركة بسرعة قياسية، ويصعب على اي فريق داخلي او خارجي قراءة تفاصيلها، بواقعية وشمولية، ما يضع الجميع في حالة دفاعية بإمتياز، ولعل محاولة فهم إنضمام علاء ابو فخر الى الثورة، أملاً بإصلاح حزبه من الداخل، دون اي توجيه او مباركة من زعيمه، وبذله حياته ثمن احلامه، وهو في ريعان شبابه، وفي صورة مشهدية مؤلمة أمام زوجته وإبنه، وأمام ملايين القلوب الشاخصة على إستيقاظ وعي شعبي جماعي، يسعى بكل قدراته، لمنع وطنه من الأفول في دائرة الفقر والدوران في حلقة مفرغة ملؤها الطائفية والمذهبية ومكللة بالفساد، اكثر تعبيرا ًعن أي قراءة جامدة، لثورة شعب، تختلط في جيناته العاطفة ومقدرات العلم والتفوق العالية، ويسعى جاهداً لإعادة تكوين هويته وإنتظامه العام، خارج المألوف أوالمتوقع، فهل ينجح في بناء وطن يُشبه أحلام وطموحات شبابه؟ وبأي ثمن ؟