يعود تاريخ الصراع بين أذربيجان وأرمينا إلى عام 1991، وذلك على إثر دعم أرمينيا لانفصال إقليم “كارباخ” عن أذربيجان، ثم أكملت أرمينيا تصعيدها عن طريق السيطرة على ممر ضيق يصل بين “كارباخ” والأراضي الأرمينية ويدعى “ممر لاتشين”.

عام 1993 احتلت أرمينيا المزيد من الأراضي الأذرية، ثم جرى توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار في عام 1994 ثبتت الأمر الواقع إلى يومنا هذا، دون أن يتم حل جوهر القضية المختلف عليها، ما ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالية التصعيد في أي وقت.
شهر حزيران/ يوليو 2020 حمل تطوراً مهماً في الصراع الأرميني الأذربيجاني، حيث اندلعت مواجهات للمرة الأولى خارج إقليم كارباخ، وخارج الأراضي الأذربيجانية التي تحتلها أرمينيا، فدارت مواجهات عسكرية في منطقة “تافوش” الحدودية وشنّت القوات الأرمينية هجوماً على مواقع تتبع للجيش الأذربيجاني.
يشهد اليوم الصراع الأذربيجاني – الأرميني فصلاً جديداً من فصول التصعيد، لا يفصل بينه وبين الفصل السابق سوى ثلاثة أشهر، تمثل في إسقاط الجيش الأرميني مروحيات أذربيجانية وشن هجوم على مواقع برية للأذريين.
دخلت دول أخرى على خط الصراع الأذربيجاني – الأرميني، بهدف استثماره كورقة ضغط على أطراف دولية أخرى، وقد يحتل الدور الخارجي عاملاً اساسياً لعودة التصعيد بين الحين والأخر تبعا لمصالح تلك الأطراف الدولية.
عام 2016 قدمت روسيا قرضاً لأرمينيا من أجل شراء أسلحة تساهم في زيادة التفوق الأرميني على أذربيجان.
الخطوات الروسية هدفت إلى استثمار الصراع كورقة ضغط على المصالح الأوروبية والتركية، خاصة وأنه يتركز في منطقة مرور أنابيب الغاز باتجاه أوروبا مروراً بتركيا.
تركيا باتت تعتمد على أذربيجان كمصدر رئيسي للطاقة، وساعدها ذلك في تخفيض اعتمادها على روسيا في تلبية احتياجاتها من الغاز إلى قرابة 42% بعد أن كانت حتى عام 2015 تستورد 58% من احتياجاتها من روسيا.
كما أن خط الغاز الممتد من أذربيجان إلى أوروبا ويمر بتركيا مما يعطيها هامش مناورة كبير.
إندلاع المعارك مؤخراً خارج المناطق المتنازع عليها تاريخياً يعطي مؤشراً على وجود غاية خارجية من الهجمات الأرمينية المتكررة، خاصة وأن التصعيد بات يشمل منطقة “توفوز” القريبة من مرور خط أنابيب القوقاز، وهذه الأنابيب تغذي خط “تاناب” الذي ينقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا.
في شهر نيسان/ أبريل من العام الجاري انتهت جولة المفاوضات التركية – الروسية من أجل تجديد اتفاقية توريد الغاز إلى تركيا بأسعار أخفض من السابق، دون تمكن الطرفين من التوصل إلى اتفاق، وهذا عزز من اتجاه تركيا إلى أذربيجان كبديل رئيسي عن روسيا، وهذا بطبيعة الحال زاد مخاوف موسكو.
من غير المستبعد أن تلجأ روسيا إلى دفع أرمينيا للتصعيد العسكري في منطقة شبكة أنابيب الغاز قرب الحدود مع أذربيجان، وذلك من أجل الضغط على أنقرة لعدم التخلي كلياً عن الغاز الروسي، وهذا يتوافق مع الإستراتيجية الروسية التي تعتمد على الضغط المستمر على أوروبا عن طريق ملف الطاقة.
ومن الدوافع الروسية المهمة لتصعيد الصراع هو الضغط على أذربيجان ذاتها في سياق منعها من التحول إلى مورد رئيسي للغاز والنفط لدول العالم وخاصة أوروبا وتركيا، لأن هذا التموضع الأذري في سوق الطاقة العالمي سيكون على حساب حصة روسيا ذاتها.
لايمكن أيضا اغفال التقارب الإيراني – الأرميني في منطقة بحر قزون، واحتمالية تقديم إيران لدعم عسكري في مواجهة أذربيجان، وستحقق إيران عدة أهداف مثل الضغط أكثر على أوروبا للتأثير في موقفها من العقوبات الأمريكية، وأيضا الضغط على تركيا التي تبدي تجاوباً كبيراً مع العقوبات الأمريكية.
لايمكن نفي الدور الفرنسي بشكل قاطع في عملية تأجيج الصراع رغم أنه يبقى احتمالا لا أدلة عليه، وتكمن مصلحة فرنسا في تصعيد الصراع بالضغط على تركيا بما يتعلق بتحركاتها في ليبيا ومنطقة حوض المتوسط.
