خلقت إنتفاضة قسم كبير من اللبنانيين ديناميّة غير مسبوقة وتحديّات جمّة في الوقت عينه، خصوصاً بعد الإستقالة “العاطفية” التي تقدم بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وما واكبها من مشاهد تكسير وتعدٍّ طاولت محتجين سلميين، ليقف لبنان على مفترق طرق، وحدها طريقة تلقف الإستقالة ومسار تشكيل الحكومة الجديدة، من شأنها تحديد البوصلة.

ما يجب متابعته:
@ رفع الحريري بإستقالته غطاءً مهماً عن سلطة نجحت في توحيد قسم لا يستهان به من اللبنانيين ضدها، تحت شعارات مطلبية، تزامناً مع نُذر أزمة مالية وإقتصادية عاتية، وإن كانت إحدى أهداف الاستقالة إسترجاع شعبية تآكلت بفعل رواج مطالب المحتجين، فهي زرعت الشقاق عميقاً في الإئتلاف الحاكم، ووضعت مجلس النواب المُنتخب عام 2018 وفق قانون اللوائح المغلقة والنسبي-التفضيلي، أمام مواجهة مع شارع غاضب، فهل تؤدي هذه الاستقالة، الى تآكل الحراك الشعبي، وعودة الإصطفافات السياسية وإن جزئياً؟ خصوصاً وأنّ تباينات ظهرت في الخطوات اللاحقة للإستقالة بين الساحات، وحتى داخل الساحة الواحدة؟
@ لا مفرّ من التوقف عند الغزوة التي قامت بها مجموعات منتظمة تابعة للثنائية الشيعية على ساحات الإعتصام والتعدي أمام الشاشات على المعتصمين والصحافيين، وتكسير وحرق ما تيسر، تزامناً مع إعلان إستقالة الحكومة، ففي حين إعتبرها البعض ضغط اللحظات الأخيرة لثني الحريري ودفعه لتأجيل الاستقالة، رأت فيها دوائر متابعة سعياً حثيثاً لفرض الهيبة واستفزاز الاحزاب في المقلب الآخر بحثاً عن إشكالات وخطاب حزبي طائفي يساهم في ضرب الغطاء المطلبي الذي يوحد المحتجين وإعتبرت تلك الدوائر الغزوة تحديداً بقوة الأمر الواقع لسلطة رئاسة ومجلس النواب، وثني المتظاهرين من المطالبة بإنتخابات مُبكرة، خصوصاً وأن الاستشارات النيابية الملزمة هي من ستحسم إسم رئيس الحكومة الجديد.
@ موقف حزب الله سيكون مفصلياً في إمكانية الخروج بحكومة إختصاصيين قادرة على إستعادة ثقة الداخل والخارج، وإدارة البلاد في هذه المرحلة الحرجة، خصوصاً وأن أمينه العام سبق وحذّر من إستثمار الحراك في تغيير التوازنات الحكومية، وهنا وحده تقييم واقعي ودقيق لواقع الشارع وخطورة الوضع المالي، كفيل بتحديد الإتجاهات الحكومية، ففي حال تصاعد هواجس الحزب والتركيز على الأجندات السياسية الداخلية والخارجية، دون غيرها، فإننا قد نتجه الى ممارسة المزيد من الضغط على الشارع، بموازاة محاولة شراء الوقت بين قبول رئاسة الجمهورية الاستقالة، وتحديد موعد للاستشارات النيابية، بحيث يتم التفاهم على شخصية موثوقة من قبل الحزب والعهد، ولا تستفز الداخل والخارج.
@ موقف رئيس الجمهورية وكتلة لبنان القوي سيكون متقاطعاً مع موقف حزب الله، خصوصاً وأن مسألة فتح الطرقات، لاسيما في المتن، كسروان ، جبيل والبترون، سيشكل اولوية، لتخفيف زخم الإعتراضات الشعبية من جهة، وتدارس مليّاً الخطوة المقبلة، فهل تعتبر إستقالة الحريري دون تنسيق مُسبق نهاية التسوية التي أنتجت العهد، بعد إشهر على إنتهاء تفاهم معراب؟وهل تستطيع الغالبية النيابية التي يملكها التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي إنتاج حكومة أمر واقع؟ وماذا عن الدعم الدولي والخليجي المُفترض، لمنع الإنهيار المالي الكبير !؟
@ لفت دخول أميركي على الخط وحث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الزعماء السياسيين في لبنان على المساعدة في تشكيل حكومة جديدة تلبي احتياجات شعبها بعدما استقال الحريري على أثر احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة. وقال بومبيو في بيان «المظاهرات السلمية ومظاهر التعبير عن الوحدة الوطنية في الثلاثة عشر يوما الماضية بعثت برسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة تتسم بالكفاءة والفاعلية وإصلاحا اقتصاديا ونهاية للفساد المستشري»
وكأن الموقف الأميركي يؤيد استقالة الحريري ويتبنى مطلب إنتفاضة ١٧ تشرين الاول الأساسي، محاسبة الفاسدين!
@ سعي الرئيس الحريري لإستنهاض القواعد الشعبية، تحت شعار كلن يعني كلن، ورفض أن تكون رئاسة الوزراء السنيّة، كبش الفداء الوحيد للشارع الغاضب، إستحقاق جدّي تواجهه المجموعات التي تحاول تنسيق الحراك، وتوحيد خطواته، يضاف اليه سعي الاحزاب السياسية المعارضة للعهد، وتحديداً القوات اللبنانية، الاشتراكي والكتائب، للاستثمار السياسي ، وشكلت خطوة ما بعد إستقالة الحريري مادة إنقسام بين مجموعات تريد الاستمرار بنفس الزخم، حتى تشكيل الحكومة المطلوبة، وأخرى تريد إستقالة رئيس الجمهورية، فيما صدرت بيانات عن مجموعات دعت لتظاهرة ١٧ تشرين، طلبت البقاء في الساحات ووقف الإضراب وقطع الطرقات لإعطاء مهلة محددة لتشكيل الحكومة الموعودة، كما يتم تداول دعوات لتظاهرة مركزية يوم الخميس تتوجه الى بعبدا!
فهل سينقسم الشارع الى شوارع؟ أم ستنجح المجموعات في تنسيق مواقفها بعد تحقيق اول إنتصار بمفهومها، وهو استقالة الحكومة؟ ووفق اي أجندة؟
خاتمة:
بين أكثرية نيابية لا تملك خطة لإنقاذ الاقتصاد مدعومة عربياً ودوليًا، وبين شارع يعرف ما لا يريد ولا يملك خطة واضحة للوصول الى ما يريد، وبين حزب الله المتوجس من إستهدافات داخلية وخارجية تقف بلاد الأرز أمام تحدٍ مفصلي، فهل تنجح الدينامية المستحدثة في إنتاج حكومة التوازنات الدقيقة والخطط الفعالة؟ أم أن الوضع سينزلق الى المزيد من الترهل وتفشل السلطة في إدارة الأزمة؟ وهل من بديل مؤقت يُمسك الوضع متمثل بمؤسسة الجيش الجامعة !؟