على وقع التصعيد الحوثي ضد السعودية وإستهداف حقول الشيبة الحدودية مع الإمارات ، والتصعيد الممنهج في غزة مع إحتمالات إندلاع مواجهة واسعة، وسعي حكومة العبادي لإغلاق مجال العراق الجوي مع تكرار الاستهدافات ضد مواقع عسكرية تابعة للحشد الشعبي وصلت الى ضواحي بغداد، برزت عدة مسارات تفاوضية قد تُشكِّل في حال تناسقها بداية فكفكة الجبهات في المواجهة المتكاملة بين واشنطن من جهة وحلفائها، وبين طهران من جهة ثانية وحلفائها.

وشكلت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، التي لحقته العقوبات الاميركية مؤخراً الى الكويت ، باكورة عمليات التفاوض، لما تُمثّله الكويت من ثقل خليجي وعلاقات وثيقة مع واشنطن تاريخياً، وقد سبق تلك الزيارة-الحدث، توقيع تفاهمات تقنية-حدودية بين طهران ووفد عسكري إماراتي زار ايران مؤخراً، وبرز كلام متقدم لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في واشنطن، لناحية ترسيم الحدود البحرية والبريّة مع إسرائيل بوساطة أميركية، ولعل الحفاوة التي خصّ وزير الخارجية الاميركي مايكل بومبيو الحريري بها، وتكرار لقاءاتهما وإعطائها بُعداً عائلياً، بعد الرسمي، تُظهر إهتماماً أميركياً متقدماً بمستقبل لبنان ورعاية المصالح الأميركية فيه، وهي تتزامن مع استمرار واشنطن بتجهيز الجيش اللبناني، وتطوير سفارتها او قاعدتها على المتوسط في عوكر، وحركة جيشها في مطاري حامات قرب البترون ورياق في البقاع اللبناني، وبالطبع بيان السفارة الأخير المتعلق بالكباش الذي كان دائراً حول منازلة قبرشمون وتداعياتها، والاتصالات التي تولاها دايفيد هيل مساعد وزير الخارجية الاميركي بعدد من المسؤولين اللبنانيين والتي رسمت أُفق وحدود التسوية.
مصادر مواكبة للإهتمام الأميركي المستجد بلبنان كشفت ل thinkers4me أن واشنطن جادة للغاية في إنهاء الخلاف الحدودي بين لبنان وإسرائيل بحراً وبرّاً، وأن مساعيها قد تتضمن عرضاً يتعلق بإنسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لقاء تنفيذ لبنان القرار 1701 أو إستصدار قرار أُممي جديد يتعلق بإنتشار الجيش اللبناني وقوات مراقبة دولية، من المساحات التي قد تُخليها إسرائيل، نتيجة الإتفاق الجديد والترتيبات المواكبة له، خصوصاً وأن هكذا إتفاق، يشمل قطاع البترول الحيوي، في كلٍّ من لبنان وإسرائيل، ويضع السلطات اللبنانية أمام تعهداتها وإلزامية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وهو مسار ضغط جديد تضيفه واشنطن الى سياسة العقوبات التي تستخدمها، والتي قد تتوسع وفق مقتضيات الحاجة، وهدفها بحسب الأميركيين، شد الخناق على حزب الله، وتصفير دائرة المسهلين له سبل الإفلات منها، حتى لو كانوا في مراكز المسؤولية داخل الدولة، ولعل شمول تلك العقوبات نواب منتخبين هو أول غيث سلسلة خطوات لاحقة، طبعاً وفق مقتضيات الضرورة والمصلحة الاميركية .
قد لا تكون روسيا بعيدة أيضاً عن تلك المساعي الأميركية المتعلقة بترسيم الحدود اللبنانية-الاسرائيلية، فهي من جهة تسعى لحماية مصالح اسرائيل، كي تضمن عدم خربطتها أي تفاهم على سوريا، وقد تكون معركة إدلب مدخله الإلزامي، وهي من جهة ثانية معنيّة بالبترول في المتوسط، بدءاً من الساحل السوري الذي سيطرت عليه بالفعل، وسمح لها إتفاق مع لبنان على إعادة تطوير مصفاة طرابلس، بالتوسع جنوباً، وقد تكون لها خطط أكثر شمولاً بحيث تتولى نقل الغاز اللبناني المرتقب عبر أنابيبها، التي رسمتها مع تركيا-أردوغان منذ فترة.
ومن المتعارف عليه أيضاً أن هناك مصلحة أميركية-روسية مشتركة، على الحفاظ على القطاع المصرفي اللبناني، فروسيا مدركة أن لهذا القطاع دور حيوي في إعادة إعمار سوريا، وواشنطن تستخدمه أيضاً لرعاية مصالحها، كما يُشكل هذا القطاع الدعامة الأخيرة لعدم إنهيار لبنان مالياً وإقتصادياً، ما قد يُحدث “فوضى” تتخطى حدود لبنان لذلك تسعى واشنطن وموسكو وحتى أوروبا لمنعها.
ما يجب متابعته:
* هل هناك تسابق بين طهران وواشنطن على تحييد او سحب أوراق تفاوض مهمة ، وما جرى في اليمن من جهة وإزدياد الجهد الاميركي المتعلق بإنهاء التشابك الحدودي بين لبنان وإسرائيل من جهة ثانية، هو ضمن هذا التسابق !؟
* التطورات الميدانية الأخيرة، لاسيما في اليمن، إدلب، العراق، غزّة، حقل الشيبة السعودي الحدودي مع الإمارات، هي بمثابة ضغوط اللحظات الأخيرة، قبيل سلوك قطار التسوية الأشمل، برعاية تفاهمات على خطوط بين ترامب وبوتين؟!
* عودة الرئيس الحريري من واشنطن وتبيان طبيعة العرض الاميركي المتعلق بالحدود البريّة من جهة، والمدى الذي ستصل اليه العقوبات الأميركية من جهة أخرى، خصوصاً بعد الشرح الذي عرضه الحريري ودقة التوازنات الداخلية اللبنانية، على المستويات كافة.