حبس أنفاسٍ يشهده لبنان وإسرائيل بعد إعلان أمين عام حزب الله عزمه الرد لوقف ما وصفه ب “مسار تسعى إسرائيل لفرضه بالقوة في لبنان”، بعد العراق، وبعيداً عن التسريبات والحروب النفسية المتبادلة، لاشك أن اللحظة هي الأكثر خطورة منذ نهاية حرب تموز 2006.

دون الغرق في التسريبات المتناقضة حول طبيعة “الهدف” الذي إستهدفته المسيّرتان الاسرائيليتان في ضاحية بيروت الجنوبية، فجر الأحد المنصرم، من المهم التوقف عند النقاط التالية:
* قد تكون الجبهة الداخلية اللبنانية على مستوى السلطة السياسية هي الأكثر تماسكاً ودعماً لحزب الله وبدا أن هناك تناسقاً في المواقف في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وتوزيع أدوار، لردع إسرائيل من جهة ، ولمحاولة استخدام العلاقات الخارجية لمنع الصدام الكبير.
* تركت عبارة “الرد سيكون في لبنان” التي اوردها نصرالله هامشاً للتحليل والتوقع، وفعلت فعلها في “تطويع” خصوم الحزب السياسيين، خصوصاً إنها ترافقت مع مجموعة تسريبات عن إمكانية إستخدام المسيرات من داخل لبنان، وفي ذلك رسالة للخارج أيضاً بأن الحزب مستعد لخوض المواجهة الكبيرة، حامياً ظهيرته الداخلية.
* عدم إلتزام حزب الله بسقف زمني لرده المرتقب، يفتح الباب أمام ممارسة اقسى أنواع الضغوط النفسية، على إسرائيل، وهي تتأهب للذهاب الى إنتخابات مفصلية، وسط تقارب غير مسبوق في حظوظ المتنافسين، وبالتالي قد ينجح مجرد التهديد بالرد في وقف المسار الذي تكلم عنه نصرالله، ليأتي بعده الرد الهادف الى إستعادة قواعد الاشتباك السائدة منذ آب 2006 ، في توقيت يختاره الحزب بعناية، ربما سعياً للتأثير على الناخب الاسرائيلي من جهة، او “لمواكبة الإختراق” الذي أحدثته زيارة وزير الخارجية ظريف الى فرنسا من جهة ثانية.
ما يجب متابعته:
@هل حرك نتنياهو، باستهدافه العراق ولبنان، بموازاة استهدافاته المتكررة في سوريا، أوكار الدبابير، دفعة واحدة، وإذا ما أضيفت إليها، قدرات إيران على تحريك بعض فصائل غزّة وأبرزها الجهاد الإسلامي، وعلاقاتها المتطورة مع حماس، ليحول الحرس الثوري وحلفائه إلى الناخب الملك، في الأيام الفاصلة عن إنتخاباته المفصلية، في17 أيلول سبتمبر، والتي قد تعيده رئيساً للحكومة إذا ما نجحت رهاناته، أو ترفع عنه الحصانة وتفتح باب محاكماته واسعاً بتهم فساد جدية!؟ وهنا أي مصلحة لإيران وحلفائها؟ محاولة تطيير نتنياهو؟
@ أم أن تأجيل الإنتخابات، من خلال تصعيد عسكري قد يحسّن صورته، هو أحد أهداف نتنياهو إذا ما تبيّن له في الاستطلاعات المتقاربة أن تبدلاً في مزاج الناخب الاسرائيلي نحو قيادة جديدة وأكثر شباباً، فنتنياهو يلامس ال 70 من عمره، ويحكم اسرائيل بصورة متواصلة منذ اكثر من 10 أعوام، لكن دون ذلك مجموعة إعتبارات تبدأ بغطاء أميركي، وتفاهم مع بوتين على حدود التحرك العسكري، وهنا لا يبدو حليف نتنياهو الرئيس الاميركي ترامب يشاطره كامل أزمته، فالإختراق الذي حدث في ملف الاشتباك الاميركي الإيراني في فرنسا، والحديث عن قمة تجمع ترامب بروحاني، خلقت توجساً في دائرة اليمين الحاكم في اسرائيل، الساعي لتحقيق إنجازات في اللحظات الأخيرة.
@ لفتت مهاجمة كبير المستشارين لقائد الحرس الثوري الإيراني، غلام حسين غيب بور، وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بسبب زيارته المفاجئة إلى فرنسا التي كانت تحتضن اجتماعا لقادة مجموعة الدول السبع. وقال غيب بور في مؤتمر نظمته قوات التعبئة “الباسيج” إن: “بعض الرحلات الخارجية إلى القمم الأجنبية تكون بدافع اليأس، ونأمل ألا يكون بعض مسؤولينا قد تعرضوا لهزيمة لا سمح الله”،
وأضاف: “من المؤسف أنه في بعض الأحيان توجد سلوكيات تفوح منها رائحة الخيانة، وعلى الحكومات واجب التعامل مع الفساد، وكذلك الأمر بالنسبة للناس..”
تبادل أدوار أم إنقسام حاد؟!
فهل ما يحدث في طهران مجرد تبادل أدوار لرفع السقوف التفاوضية؟ أم أن ما يتحدث عنه مطلعون على ثنايا تقاسم السلطة داخل طهران من تباينات حادة، بين المرشد والحرس الثوري من جهة وروحاني-ظريف من جهة ثانية، وهل أحد ابرز أهداف العقوبات التي فرضها ترامب، بدأت تؤتي ثمارها، في اللعب على التناقضات الداخلية الإيرانية، والسعي للتغيير من الداخل، بحيث يشعر الإيرانيون أن سياسات “المتطرفين”ستجلب لهم الأزمات على تنوعها، فيما ديبلوماسية الأقل تطرفاً قد تمدهم بشريان الحياة الضروري، مع تفاقم التدهور الاقتصادي والأزمات الاجتماعية، وهنا يبدو أن لبوتين أيضاً دور في ترجيح كفة الدولة على حساب الثورة في إيران، مع قرب إنتهاء الوجه العسكري للصراع في سوريا، والبدء في مسار جني المكاسب عبرتسوية تجمع أكبر مقدار من الأطراف الإقليمية والدولية لضمان تمويل عمليات إعادة الإعمار !
زمن “خنق المتطرفين” بدأ!؟
@ إنطلاقاً مما سبق، هل بدأ زمن “خنق المتطرفين” لفتح الباب أم وصول الأقل تطرفاً إلى السلطة في ايران وإسرائيل؟ برعاية أميركية-روسية؟ بهدف فتح الباب أمام زمن التسويات الكبرى!؟ وهل يكون نتنياهو أول ضحايا هذا التفاهم؟ أم أن المعادلة أكثر تعقيداً ؟ وفصولها مرشحة لبروز زمن “السلاح النوعي” والخطابات العالية النبرة، لمحاولة الإحتفاظ بالسلطة، لفترة أخرى من خلال تحقيق إنتصارات نوعية، تبدو سيناريوهاتها مُلبدة بالغموض والمخاطر !؟